يتناول كتاب "جعل الخفي واقعاً" للباحثة الكسندرا كالويانيديس تأثير الإرساليات البروتستانتية الأمريكية في بورما خلال القرن التاسع عشر، وكيف أثرت تلك البعثات على البنية الدينية والثقافية للمجتمع البورمي الذي يغلب عليه الطابع البوذي. تسلط المؤلفة الضوء على محاولة المبشرين تحويل مفاهيم البوذية العميقة حول الكارما والتناسخ إلى أفكار مسيحية تقوم على الرحمة والغفران والخلاص. بالنسبة لبعض الجماعات المهمشة، مثل بعض الأقليات الإثنية، كان وعد الخلاص الفوري الذي يتيحه الفكر المسيحي أكثر جاذبية من المسار الطويل للتحرر في البوذية.
يدرس الكتاب أيضاً التصادم الرمزي بين المبشرين والمجتمع البورمي، خصوصاً في موضوع التماثيل والصور البوذية التي اعتبرها البروتستانت أوثاناً، بينما ظل البورميون ينظرون إليها كجزء أساسي من الطقوس الروحية والتقاليد الدينية. تداخلت جهود التحويل الديني مع الحركة التعليمية التي لعبت فيها النساء دوراً محورياً، إذ تحولت تجربة التعليم الديني إلى فضاء جديد للتمكين والحوار بين النساء المسيحيات والبوذيات.
ورغم أن التأثير المباشر للإرساليات على الأغلبية البوذية كان محدوداً، إلا أن الرسالة المسيحية لاقت صدى بين القبائل الأكثر تهميشاً، التي وجدت في التعاليم المسيحية وعداً بحياة روحية أقصر مسافة وأقل تعقيداً مقارنة بتعاليم البوذية. يحلل الكتاب التوترات التي حدثت نتيجة هذا التداخل الديني والثقافي، ويرسم صورة عن هوية بورمية جديدة نتجت عن لقاء الغرب الاستعماري مع الشرق البوذي.
ومن خلال وصفه لهذه التفاعلات الدينية والثقافية، يبرز الكتاب حجم التغييرات في فهم البورميين للمقدس والخفي، ويشير إلى قدرة بعض المجتمعات على إعادة تعريف مفاهيم الرحمة والخلاص في سياقات اجتماعية وسياسية تتسم بالاضطراب والعنف، كما في ميانمار المعاصرة. يفتح الكتاب بذلك أفقاً أوسع للتأمل في وظيفة الدين والإيمان في تشكيل المجتمعات وتوجيه خياراتها الروحية في ظل التحولات الكبرى.