يقدم جورج آرتشر في كتابه "صفير النبي: الشفهية والكتابة والقرآن في العصور القديمة المتأخرة" رؤية جديدة لفهم التحول الثقافي في شبه الجزيرة العربية، مستخدماً القرآن كأول نص عربي كامل لتتبع هذا التطور التاريخي.
يصف آرتشر كتابه بأنه "تجربة تاريخية" تهدف إلى تحليل "كيف أثرت تقنيات التسجيل المختلفة (خاصة الكتابة) وغيابها على النبي". يتخذ المؤلف منهجاً تاريخياً يعتبر فيه محمداً "راوياً" للقرآن، موضحاً أن "الراوي يمكن أن يتداخل مع النبي أو الرسول أو المؤلف، كما يمكن أن يكون كل هذه الأدوار أو بعضها أو لا شيء منها".
يقدم الكتاب تحليلاً مفصلاً للطبيعة الشفهية للقرآن في عصر النبي محمد، مجادلاً بأن مفهوم الأمية يجب فهمه في سياق المعايير الثقافية والتواصلية لكل مجتمع. يرى آرتشر أن القرآن ظهر في سياق شفهي متبقٍ، حيث كانت الكتابة معروفة لكنها لم تكن ضرورية للحياة اليومية.
يستكشف المؤلف الطبيعة المتجسدة للمعرفة في البيئة القرآنية، مستشهداً بحادثة كسر سن النبي في معركة أحد عام 625 ميلادية، متسائلاً عما إذا كانت هذه الإصابة قد جعلت صوته يصفر. يوضح هذا كيف كانت المعرفة والإحساس متحدين في السياق القديم.
يرصد الكتاب تحولاً تدريجياً في تفكير النبي نحو أشكال أكثر تجريداً من التعبير، خاصة في الفترة المدنية حيث ظهر الكُتّاب، وهو عنصر غائب عن الفترة المكية المبكرة. يقترح آرتشر أنه بحلول نهاية القرآن، لم يكن النبي متعلماً بنفسه، لكنه كان على الأقل مدركاً للقراءة والكتابة.
يختتم آرتشر كتابه بإبراز الدور الفريد للقرآن كأعظم أثر للثقافة العربية الشفهية، والذي مهد الطريق للثقافة الكتابية في العصور الوسطى. كما ينتقد كيف قللت الاستعمارية والعنصرية من قيمة دراسة الإسلام والتقاليد الشفهية، داعياً الباحثين إلى تجنب هذه المزالق.