يسلط كتاب «1627» للكاتب غوتييه دو فار دو مين ضوءاً جديداً وجريئاً على واحدة من أهم محطات تاريخ فرنسا الحديث، حصار مدينة لا روشيل. في هذه القراءة، يرسم المؤلف صورة غير تقليدية عن أحداث سبتمبر 1627، عندما بدأت جيوش الملك الفرنسي هجومها على المدينة التي كانت رمزاً لصمود البروتستانت في وجه السلطة الملكية والكاثوليكية.
يعتمد الكاتب رؤية سردية غنية وعميقة، حيث تتداخل الشخصيات التاريخية المعروفة مثل الكاردينال دي ريشليو مع أبطال آخرين أقل شهرة ولكن لا تقل شجاعتهم أو دورهم تأثيراً في مجريات الأحداث. ويُمَكّن هذا الأسلوب القارئ من معايشة تفاصيل المعارك والمفاوضات والمؤامرات التي استمرت لأسابيع عدة.
ما يميز «1627» هو القدرة على الغوص في الأبعاد الإنسانية والنفسية للصراع، مستعرضاً كيف امتزجت المصالح الشخصية برغبات الانتقام والصراعات الدينية والسياسية. لا يكتفي الكاتب بتقديم المعركة في صورتها التقليدية، بل يرسم أيضاً مشاهد المقاومة البطولية والتحديات التي واجهها المحاصرون، مع إضاءات على التكتيكات العسكرية الفريدة، مثل بناء الحاجز البحري الشهير بقيادة ريشليو.
كما يُظهر الكتاب كيف تدخلت القوى الأجنبية، مثل الدعم الإنجليزي بقيادة دوق باكنغهام، ما أضفى بُعداً دولياً للصراع. كل ذلك يقدمه المؤلف بلغة دقيقة وأسلوب سردي حيوي يمزج بين الدقة التاريخية وجمالية الرواية الأدبية.
ينجح «1627» في تقديم فهم أعمق لحصار لا روشيل من خلال إعادة قراءة الأحداث التاريخية بروح ناقدة وذهنية معاصرة، تاركاً للقارئ أسئلة مفتوحة حول تأثير تلك الأحداث على مسار التاريخ الفرنسي والعلاقات بين الأديان والسياسة.