في أحدث مؤلفاتها، تقدم المؤرخة التونسية-الفرنسية صوفي بسيس تحليلاً جريئاً لمفهوم «الحضارة اليهودية-المسيحية» وتصفه بـ«الخدعة التاريخية». تشرح بسيس، عبر قراءة نقدية دقيقة، كيف أصبح هذا المصطلح شائعاً في الخطاب السياسي الأوروبي منذ ثمانينيات القرن الماضي إلى اليوم، ويستخدم كأداة لإقصاء الإسلام من المشهد الديني والثقافي الأوروبي، مع تجاهل متعمد لقرون طويلة من معاداة اليهودية في التاريخ المسيحي الغربي.
تؤكد بسيس أن الحديث عن «قيم يهودية-مسيحية» هو عامةً بلا تعريف محدد، ويُستثمر سياسياً بشكل رئيسي من قبل القوى اليمينية المتطرفة. كما توضح أن هذا المفهوم يعمّق الفصل بين الديانات الإبراهيمية، ويرفض الاعتراف بالدور المركزي للإسلام في التاريخ الأوروبي، خاصة في مجالات نقل العلوم وتطوير المعرفة من خلال المدارس الفكرية التي ربطت بغداد وقرطبة بتوليدو وصولاً إلى الجامعات الأوروبية.
وتنتقد صوفي بسيس ما تسميه استغلال المفهوم لتبرير السياسات الإقصائية، مشيرة إلى الدعم الذي تلقاه إسرائيل - المُصورة كحصن غربي في قلب الشرق - من قبل الأوساط اليمينية المتطرفة في الغرب، رغم التناقض الظاهري بسبب تاريخ التيارات نفسها في العداء للسامية. ترى بسيس أن هذه التحالفات مبنية على نزعات قومية ترفض التعددية وتنحو نحو التهوية بالهويات العرقية والدينية.
تختم المؤرخة بالتأكيد على أن مناهضة الصهيونية تظل موقفاً سياسياً مشروعاً، يختلف تماماً عن معاداة السامية كجريمة عنصرية. وتلفت إلى أن الإعلام الغربي يتعامل غالباً بانتقائية مع أصوات معارِضة لسياسات إسرائيل داخل أوروبا وأمريكا، متسبّباً في تشويه النقاش حول قضايا الشرق الأوسط.