أبرز الأكاديمي الموريتاني، محمذن بن أحمد بن المحبوبي، في محاضرة، ألقاها، أول أمس الأربعاء، بالمركز الثقافي المغربي بنواكشوط، عمق الروابط والصلات الروحية بين المغرب وبلاد شنقيط، موضحا أن الطرق الصوفية المغربية تركت بصمات جلية في الطرق الصوفية بهذه البلاد.
وقال بن المحبوبي، وهو رئيس شعبة اللغة العربية وآدابها بالمعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية بنواكشوط، في مستهل هذه المحاضرة، التي حملت عنوان "المغاربة والشناقطة: الاغتباطات الموحية والرباطات الروحية"، وتابعها حشد من المثقفين الموريتانيين، إن الإشعاع المعرفي للحواضر المغربية امتد إلى جاراتها المغاربية، "مؤثرة في التربية والسلوك وفي المناهج والمقررات"، وهو ما خلف في نفوس أبناء المنطقة تربية إسلامية رفيعة، أبقت من بصماتها على تقاليد التصوف وأساليب السلوك.
ووصف الروابط الثقافية التي جمعت بين المغرب الأقصى وبلاد شنقيط على مر التاريخ ب"المتميزة"، مركزا، بالخصوص، على الجانب الروحي منها، والمتعلق ب"تطهير القلوب وتزكية النفوس".
وفي معرض حديثه عن الحضور المغربي في الذاكرة الشنقيطية، ذكر الباحث بأن للمغرب حضورا كبيرا في هذه الذاكرة، وذلك لما امتاز به من موقع استراتيجي وعمق تاريخي، وتميز معرفي.
وأوضح أن حواضر المغرب الأقصى تعد بحق حواضن العلم والتثقيف ومراكز التربية، لذلك فإنها أمدت "محيطها بنافع الحكمة ومأثور التصوف، فبقيت بصماتها بارزة على مستوى الدرس والتأليف، عالقة بالذاكرة في جانب التربية والسلوك".
وأضاف أن الشناقطة عبروا عن ذلك الامتداد العلمي والتأثير الصوفي أروع تعبير، فسطروا جملة من الشواهد والشهادات جاءت على شكل إنشادات شعرية وإشادات نثرية، متوقفا، في هذا الصدد، عند مستويين يتمثل أولهما في "امتداح أولي السلطة والحكم"، وثانيهما في "امتداح أولي المعرفة والعلم"، مشيرا إلى أن الشناقطة نظروا، إلى المغاربة نظرة إعجاب وتقدير، فوجهوا إليهم الثناء باعتبارهم أساتذة العلم وأئمة التصوف، و"عد وهم المثل الأعلى، والنموذج المحتذى".
بعد ذلك عرج المحاضر على الحضور الشنقيطي في الذاكرة المغربية، موضحا أن القارئ للتاريخ الثقافي بين المغرب وبلاد شنقيط يدرك جليا أن للشناقطة حضورا متميزا في الذاكرة المغربية، مستعرضا هذا الحضور من خلال مستويين، تجسد أولهما في (التنويهات الشعرية)، حيث "توطدت الصلات الثقافية بين الشناقطة والمغاربة وتجلى جانب من ذلك على مستوى الإنشاءات الشعرية"، وثانيهما في (التزكيات النثرية)، موضحا أن"الشناقطة حظوا بعدة تزكيات من قبل العلماء المغاربة. واستشهد، في هذا السياق، بشهادة الدكتور محمد حجي الذي تحدث عن الفقيه محمد يحي الولاتي "حديث المنبهر المعجب، والمنوه المطري".
وفي ما يتعلق بحضور التصوف المغربي في الساحة الشنقيطية، وتأثير الطرق الصوفية، قال بن المحبوبي إن "المحظرة الشنقيطية (مؤسسة التعليم التقليدي) اعتمدت في جانب التصوف على كثير من مؤلفات المغاربة، فبقيت بذلك كتبهم متداولة بشكل واسع في مختلف المناطق الشنقيطية"، متوقفا مع أكثر هذه الكتب حضورا في الدرس الشنقيطي، وهو كتاب "الشفا" للقاضي عياض، الذي "كان من أبرز أسس المقررات المدرسية عند الشناقطة".
وأكد أن التصوف المغربي كان حاضرا في الحواضر الشنقيطية، "ذلك أن الايجازات الصوفية الموجودة في البلاد تمر بالضرورة عبر المحطة المغربية، فسلسلة الطريقة القادرية تمر بالولي سيدي عبد السلام بن مشيش، وسلسلة الطريقة الشاذلية تمر عبر الشيخ محمد بن ناصر الدرعي...".
ومن جهة أخرى، ذكر المحاضر بأن الشناقطة أخذوا، ابتداء من القرن الثالث عشر الهجري، ينتقلون من الأخذ إلى العطاء، ف"ردوا للمغاربة بعض الجميل، فكان لهم بذلك ضرب من التأثير والحضور في الصعيد المغربي".
ورصد الباحث ملامح ذلك التأثير والحضور من خلال جهود الشناقطة في التدريس بالساحة المغربية، وبكتبهم ومؤلفاتهم التي كان لها بعض الحضور في الدروس المغربية.
وخلص المحاضر إلى القول إن "الأسانيد الصوفية والمقررات الدراسية كانت أهم شاهد على عمق الروابط والصلات بين المغرب الأقصى وبلاد شنقيط"، مبرزا أن "تلك الروابط تعززت بفعل الرحلات العلمية والسياحات الصوفية، التي شكلت حلقات من الوصل الثقافي بين المنطقتين ظلت تنمو وتتعزز على مر العصور، مشكلة مناخا صالحا للتواصل والتلاقي، وإطارا متميزا للتحاور والتآخي".
وكان مدير المركز الثقافي المغربي بنواكشوط، السيد سعيد الجوهري، قد أبرز الأهمية التي يكتسيها موضوع المحاضرة، التي يفتتح بها المركز سلسلة أنشطته برسم الموسم الثقافي 2018- 2019 ، ل"كونه يندرج في سياق ما شهدته او تشهده العلاقات بين المملكة المغربية والجمهورية الإسلامية الموريتانية من تواصل روحي وثق الروابط الدينية بين شعبي البلدين الشقيقين وجسد تقاربهما الثقافي والاجتماعي"