"حتى الطيور هربت": مالي تودع قرى بكاملها أمام زحف الجهاديين

أضيف بتاريخ 06/30/2025
دار سُبْحة

في قلب مالي، حيث كان الهدوء جزءاً من طبيعة الحياة. لم تعد الأصوات البشرية تتردد في الشوارع الترابية، ولم تبقَ حتى زقزقة العصافير التي كانت تملأ الأجواء بالموسيقى الطبيعية. العبارة التي تتردد بين النازحين: "حتى الطيور هربت"، باتت تلخص مأساة إنسانية تتفاقم بشكل مستمر



في مناطق مثل موبتي وسيغو وتمبكتو، تحولت القرى إلى ساحات للرعب والموت. الجماعات الجهادية، وعلى رأسها جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، فرضت سيطرتها بقبضة من حديد. يفرضون حظر تجول غير مكتوب، يمنعون المزارعين من الوصول إلى حقولهم، ويقومون باختطاف وتعذيب وقتل كل من يشتبهون في تعاونه مع الجيش أو السلطات. تصاعدت الهجمات بشكل ممنهج: بيوت محترقة، مزارع مدمرة، عائلات مشتتة، وذكريات تدفن تحت رماد العنف.

في يناير 2024، شهدت مناطق وسط مالي واحدة من أبشع المجازر. حيث قُتل عشرات المدنيين، وأحرقت أكثر من 350 منزلاً، وتم تهجير حوالي ألفي شخص في غضون أيام قليلة. الأرقام الرسمية لا تعكس حجم الكارثة، فالعديد من القرى تم محوها تماماً من الخريطة، ولم يعد أحد يعرف شيئاً عن مصير سكانها.

المأساة لا تقتصر على القتل والتهجير. النسيج الاجتماعي انهار تماماً. العائلات تفرقت، الأطفال فقدوا مدارسهم، والمرضى باتوا بلا أدوية. حتى محاولات إبرام اتفاقات سلام محلية مع الجماعات المسلحة لم تنجح في وقف نزيف الدم، بل حولت القرى إلى سجون مفتوحة، حيث يعيش السكان تحت تهديد دائم.

الحياة اليومية في هذه المناطق تحولت إلى تحدٍ للبقاء. الجيش المالي، وأحياناً مرتزقة واغنر، عمليات عسكرية تخلط بين استهداف الجهاديين وتوريط المدنيين في دوامة العنف. المدنيون بين الجماعات المسلحة والجيش، دون أي ضمانات للحماية أو العدالة.

هذه الأزمة ليست مجرد صراع مسلح، بل هي كارثة إنسانية تهدد مستقبل مالي كدولة. اختفاء القرى وفرار السكان يهددان الأمن الغذائي والتماسك الاجتماعي، ويضعفان قدرة الدولة على بسط سيادتها على أراضيها. كل يوم يمر، تصبح مالي أكثر هشاشة، وأكثر عرضة للانقسام والانهيار.

إن صرخة "حتى الطيور هربت" ليست مجرد تعبير عن الخوف، بل هي صرخة استغاثة من شعب يواجه إبادة بطيئة. إنها تدعو العالم للانتباه قبل أن تختفي مالي من الذاكرة كما اختفت قرى كثيرة من خرائطها.