يُعد التراث الإسلامي واحداً من أغنى وأعمق الموروثات الثقافية في العالم، حيث تتجلى روائعه في العمارة المهيبة كقباب وتيجان جامع السلطان أحمد (المسجد الأزرق) في إسطنبول، والزخارف الهندسية المعقدة التي تزين المساجد والقصور، وصولاً إلى الشعر الصوفي الخالد لهُـفَظ ورومي، الذي ألهم أجيالاً من الأدباء والفنانين في الشرق والغرب على حد سواء
ورغم هذا الثراء، ظل كثير من جوانب الفنون والتراث الإسلامي غير مستكشفة أو حتى مهمشة في الوعي الغربي، ما دفع نشطاء وفنانين بريطانيين إلى إطلاق مبادرات لإعادة الاعتبار لهذا الإرث. من بين هذه المبادرات يبرز مشروع "Everyday Muslims" الذي أسسته صادية أحمد، ويهدف إلى توثيق وأرشفة تاريخ وثقافة المسلمين في المملكة المتحدة، عبر جمع الصور، الوثائق، والقصص الشخصية التي تعكس مساهمات المسلمين في المجتمع البريطاني عبر العقود.
في هذا السياق، يعرف المشهد الفني البريطاني بروز جيل جديد من الفنانين المسلمين الذين يستلهمون من تراثهم الروحي والجمالي، مثل الخطاط سمير مالك، الذي أعاد اكتشاف فن الخط العربي من خلال دراسة النصوص القرآنية وتاريخ هذا الفن العريق. أعمال مالك تجمع بين الأصالة والابتكار، حيث ينقل النص العربي بروح معاصرة تحترم القواعد الجمالية التقليدية، وتفتح في الوقت ذاته آفاقاً جديدة للحوار بين الثقافات.
ولا يقتصر التأثير الإسلامي على الفنون الإسلامية التقليدية، بل يمتد ليشمل الأدب والفكر الغربي، حيث تأثر شعراء رومانسيون وفنانون مثل ويليام موريس بجماليات الزخرفة الإسلامية وروحانيتها، ما يؤكد أن التراث الإسلامي كان ولا يزال جسراً للتلاقي والإلهام المتبادل بين الحضارات.
هذه الجهود المتنامية لتسليط الضوء على الفنون والتراث الإسلامي في بريطانيا تعكس وعياً متزايداً بأهمية التنوع الثقافي، وتعيد الاعتبار لمساهمات المسلمين في تشكيل الهوية الثقافية للمجتمع البريطاني المعاصر، في وقت تزداد فيه الحاجة إلى بناء جسور التفاهم والاحترام المتبادل.