في قلب مدينة سريبرينيتسا، يقف بكير عليلوفيتش البالغ من العمر 34 عاماً أمام شاهد قبر والده، حاملاً معه علبة تبغ قديمة وصورة يتيمة. هذه القطع القليلة هي كل ما تبقى له من والد لم يعرفه سوى في طفولته المبكرة، قبل أن يغيّب في مجازر عام 1995.
اليوم، تحمل سريبرينيتسا في طياتها قصصاً متداخلة من الألم والأمل. فبعد مرور ثلاثة عقود على المأساة التي راح ضحيتها أكثر من 8000 شخص، يسعى جيل جديد إلى رسم مسار مختلف للمستقبل، دون إغفال دروس الماضي.
في مبادرة لافتة، أسس بكير مع زميلته الصربية فالنتينا جمعية "أدوبتس سريبرينيتسا"، التي تجمع شباباً من خلفيات عرقية مختلفة. يقول بكير: "هدفنا ليس تصفية حسابات الماضي، بل خلق مساحة للقاء والحوار الصادق". في مقر الجمعية المتواضع وسط المدينة، يلتقي شباب من أصول صربية وبوسنية، يكتشفون معاً تاريخ مدينتهم من خلال زيارات للمواقع التاريخية وجلسات حوار مفتوحة.
في حين تحمل المدينة ندوباً عميقة - من مبانٍ مهجورة وشوارع خالية - يصر سكانها على البقاء. برنيس أديموفيتش، مدير فندق محلي فقد ستة من إخوته في الحرب، يقول: "نعيش هنا لأن جذورنا في هذه الأرض، ولأن المستقبل يحتاج إلى من يبنيه."
في المسجد المجاور للكنيسة، تجتمع الجالية المسلمة كل جمعة، في حين تستمر الحياة اليومية بإيقاع هادئ. يؤكد السكان أن الصراع لم يكن دينياً بل كان محاولة للقضاء على مجموعة عرقية، وأن التعايش كان وسيظل ممكناً.
وفي حين يواجه الجيل الجديد تحديات اقتصادية دفعت كثيرين للهجرة، يبقى الأمل في إمكانية بناء مستقبل مختلف. تقول نيرا، عائدة من ألمانيا: "نكتب قصة جديدة لسريبرينيتسا، قصة تحترم ذكرى الضحايا وتفتح صفحة جديدة للأجيال القادمة."
يختتم بكير، وهو يحمل ابنته البالغة من العمر عامين: "سأخبرها عن جدها كرجل طيب نفخر به. المأساة جزء من هويتنا، لكنها ليست نهاية قصتنا."