في ساحة السياسة البرازيلية المستقطبة، برزت مارينا سيلفا، وزيرة البيئة ومن أصول إنجيلية، كصوت استثنائي يقود معركة شرسة للدفاع عن غابات الأمازون وحقوق المجتمعات المهمشة، في وجه الأغلبية المحافظة داخل البرلمان، وخاصة التيار الإنجيلي المتشدد الداعم للمشاريع الاقتصادية على حساب البيئة
مارينا سيلفا، التي عاشت طفولتها في ظروف قاسية وسط عمال جمع المطاط بمنطقة نائية في الأمازون، تحولت بفضل نضالها الاجتماعي ووعيها الديني من راهبة محتملة إلى شخصية سياسية تحظى باحترام عالمي. رغم انتمائها إلى الكنيسة الإنجيلية، رفضت سيلفا استغلال الإيمان لأغراض سياسية، ووقفت علنًا ضد خلط الدين بالسلطة، مؤكدة أن حماية البيئة قضية أخلاقية وإنسانية تتجاوز الانتماءات العقائدية.
تعرضت سيلفا لموجة هجمات خلال جلسة برلمانية صاخبة، قادها نواب إنجيليون وكاثوليك، اتهموها بإعاقة التنمية الاقتصادية والمشاريع في الأمازون، بل تمادى البعض في السخرية منها ومطالبتها "بالعودة إلى مكانها"، في مشهد يعكس حجم الصراع بين القوى البيئية والجماعات المحافظة الدينية. انتهى الأمر بانسحاب الوزيرة من الجلسة، الأمر الذي دانته منظمات حقوقية ونساء باعتباره هجوماً عنصرياً وتمييزياً بامتياز.
في الخلفية، يسود قلق عميق بين نشطاء البيئة: البرلمان الحالي هو الأكثر محافظة منذ إعادة الديمقراطية للبرازيل، وهو ما جعل هامش المناورة أمام الإصلاحيين محدوداً رغم استعادة اليسار بقيادة لولا دا سيلفا للرئاسة. فمشروع قانون يُعرف بـ"مشروع الدمار" بقي محط جدل منذ عهد بولسونارو، يهدد بأن يفكك الإطار القانوني لحماية الأمازون والبيئة لصالح تسهيل الاستثمارات الكبرى.
ورغم أن الاستطلاعات تكشف عن قلق متزايد من التغير المناخي بين البرازيليين، بما في ذلك معظم الإنجيليين، إلا أن هذه المخاوف نادراً ما تتحول إلى فعل سياسي أو خيار انتخابي حاسم. فما زالت الأغلبية تفضل التركيز على المسؤولية الفردية، مثل تدوير النفايات، دون الإدراك الكامل بأن التغير الحقيقي يتطلب نضالاً جماعياً وقانونياً أوسع.
تواجه مارينا سيلفا، ومعها دعاة الإصلاح البيئي، عقبة إضافية تتمثل في انتشار تفسيرات دينية "أبوكالِبسية" ترى أن نهاية العالم قربت، وبالتالي تنتفي الحاجة للعناية بالأرض والموارد. وتستغل قوى اليمين الديني هذه الفكرة لتعزيز نفوذها السياسي، ما يجعل قضية البيئة في البرازيل اليوم جزءاً من ساحة الصراع بين الدين والسياسة أكثر منها قضية علمية أو اجتماعية فقط.
ومع اقتراب استضافة البرازيل لقمة المناخ العالمية "COP30" في قلب الأمازون، تزداد حاجة البلاد إلى حوار مجتمعي وديني بنّاء يتجاوز الحسابات الانتخابية الضيقة، ويعيد للوعي الجماعي فكرة أن حماية الأمازون ليست مجرد معركة سياسية، بل رهان على روح البرازيل ومستقبل الإنسانية جمعاء.