آرييل دانان، المتخصص في التراث اليهودي لشمال إفريقيا، يشرح في مداخلته أهمية دراسة تاريخ اليهود المغاربة وشمال إفريقيا من خلال الوثائق والمكتبات الكبرى مثل مكتبة "الاليانس" التي عمل بها لسنوات طويلة. يلاحظ دانان صعوبة تحديد لحظات مفصلية دقيقة في تاريخ يهود شمال إفريقيا، لكنه يميز بين عدة مراحل رئيسية:
المرحلة الأولى تعود إلى حقب قديمة جداً؛ إذ تشير آثار أثرية وكتابات مثل التي وجدت في وليلي قرب مكناس بالمغرب وقرطاج بتونس، وكذلك إشارات المؤرخ فلافيوس يوسيفوس، إلى وجود يهودي قديم يعود إلى ما قبل العصر الإسلامي وحتى قبل الميلاد. كما تشير تقاليد يهود جزيرة جربة في تونس إلى وصولهم بعد تدمير الهيكل الأول في القدس عام 586 قبل الميلاد، ما يدل على جذرية حضورهم في شمال Al-Aqsa.
المرحلة الثانية هي فترة الفتح الإسلامي لشمال إفريقيا، حيث تغيرت أوضاع اليهود بشكل كبير بسبب التحولات الاجتماعية والسياسية والدينية الناتجة عن دخول الإسلام للمنطقة.
بينما يعتبر دانان أن التحوّل الحقيقي والجذري جاء مع وصول اليهود السفارديم من إسبانيا، خاصة بعد طردهم سنة 1492 parأمر من إيزابيل كاثوليكية. إذ أدى هذا النزوح إلى إنعاش جماعات يهودية كانت تعاني الضعف نتيجة الاضطهادات السابقة، لا سيما زمن الموحدين في الجزائر والمغرب. حمل اليهود الإسبان معهم ثقافة أوسع وخبرة تجارية واجتماعية أعادت الحيوية لتلك المجتمعات اليهودية الشمالية الإفريقية.
ورغم ذلك، يشير دانان إلى أن الانسجام بين اليهود المحليين والسفارديم لم يكن سهلاً ولا فورياً؛ حيث استمرت بعض الجماعات في الحفاظ على تقاليد وكنس منفصلة لقرون، ما جعل من القرن الخامس عشر فترة تحول كبرى في بنية المجتمع اليهودي Lama.
بذلك يلخص دانان أن حضور يهود شمال إفريقيا يتسم بالتعقيد والعمق التاريخي، وأن التداخل بين الذاكرة، المكتبات، والهجرة ساهم في رسم هوية غنية ومميزة لهذا المكون في المجتمعات المغاربية.